العذراء سيدة الوردية، أم الله وأمنا
مهما غالت البشرية في تقييم مكانة مريم وتكريمها، إلا إنها لن تبلغ مستوى إيفاءِ دينها لها ولا تعظيمها أكثر مما يليق بها. ليس الإنسان مصدرَ تقديرها ولا الحاكم في قياس استحقاقها. إنه الله الخالقُ نفسُه الذي مَّيزَها من دون البشر وشَّرَفها بمقام فريد من نوعه لا يقوى أحد حتى ولا على الحلم به. “إنَّ القديرَ صنع بي عجائبَ”!. لقد تواضعت أمامه :”أنا أمة الرب”. أما هو فرفعها فوق الخلائق كلها، :”ستلدين ابنا يكون عظيما، ويدعى ابنَ العلي .. يملكُ .. ولن يكون لملكه انتهاء”. منها يولد الله في جسدِ ناسوتِه. لقد أصبحت “أمَّ اللـه”!. وهل يفوقه تكريمٌ،
بل وحتى يوازيه؟. فما تكريمُ البشر لها إزاء العظمة التي منحها لها؟. وإن كان الله عظَّمَ مريم بهذا الشكل فمن يكون الإنسان حتى لا يُكَّرمَها؟. وهل له فضلٌ إذا فعله؟ لا أظن. بل إذا لم يفعله سُيقَّصرَ لا فقط بحقها هي بل وبحق الله أيضا، بل وسيخطأ لأنه يُقَّللَ من شـأن من رفعه الله.
فمهما بلغ تكريمنا لها فهو ليس عبادة لأننا لا نسجد لها كما لله، ولا نضعها مكان الله، بل كل الصلوات تحاول ان تصف مزايا مريم وتُشجّع على السلوك مثلها، وتسألها ان تهتم بنا كما بيسوع نفسه. تمجيدنا لمريم لن يبغ قط مستوى تمجيد الله لها. وصلاتنا لها لن تبلغ قط قوة سؤال الملاك لها هل توافق ام لا على مشروع اله ان يتجسّد منها !
المسبحة او السبحة تأتي من كلمة التسبيح اي الدعاء والصلاة. والمسبحة هي عادة مجموعة من الخرز متساوية بالحجم والشكل واللون، انتظمت الى بعضها في خيط او سلك من خلال ثقوب في وسطها. كانت المسبحة من الخرز او نوع من نوى الثمار كالتمر في العراق، والزيتون في فلسطين، وحبة الخضراء (البطمه) في الشمال، كما تفنن بعضهم فاستعملوا الاحجار الكريمة كالزمرد في الهند، والفضة والذهب في الغرب.
دُعيت المسبحة باسم “الوردية” لأنها أشبه بباقة ورد نضعها على قدميّ أمنا مريم العذراء وهذا لا يخفي أن في الورد نضارة أوراقه ولذعة أشواكه وجمال أزهاره.
فنضارة أوراقه عبارة عن أسرار الفرح.
ولذعة أشواكه كناية عن أسرار الحزن.
وجمال أزهاره رمز عن أسرار المجد.
ورائحة الوردة الذكية هي أسرار النور التي اعلنها القديس البابا يوحنا بولس الثاني.
فالوردة في جمالها ورائحتها تبهج النواظر، وهكذا يسوع ووالدته يبهجان القلوب بأفراحهما، وبأشواكها تلذع، كذلك يسوع ووالدته بأوجاعهما يمسّان قلوب الخطأة بلواذع التوبة والندامة. وبرائحتها الزكية تنعش النفوس، وهكذا يسوع وأمه بأسرار مجدهما ينعشان أرواحنا برجاء المجد السماوي.